منذ قيام دولة إسرائيل، كان قانون العودة يعد هو البقرة المقدسة أو العجل الذهبي للعقيدة الصهيونية. هذا القانون يعطي الحق لأي يهودي تطأ قدمه أرض الميعاد أن يحصل على الجنسية الإسرائيلية فور وصوله (باستثناء المجرمين ومن يهددون الصحة العامة، وإن كانت هناك حالات كثيرة لمجرمين من أعضاء الجماعات اليهودية "عادوا" لإسرائيل وحصلوا على الجنسية بمقتضى قانون العودة، فراراً من قبضة العدالة في بلادهم). ورغم انقسام اليهود الإسرائيليين حول قضايا عديدة مثل مستقبل الأراضي المحتلة والعلاقة بين الدين والسياسة والروابط مع يهود العالم، إلا أنهم كلهم أجمعوا على ضرورة التمسك بحق العودة. فهو –في تصورهم- الأساس الأيديولوجي للدولة اليهودية وهو الذي يحمي حق كل يهودي في المنفي بأن "يعود" إلى الوطن اليهودي. وقد قال بن جوريون إن قانون العودة هو الصهيونية، أو اللبنة الأساسية فيها. وفي أثناء إقرار القانون في الكنيست في 5 يوليو 1950 صرح قائلاً: إن القانون يعطي كل يهودي في (المنفي) الحق في الهجرة إلى وطنه القومي والاستيطان فيه. وأكد بن جوريون أن القانون إن هو إلا بمثابة إسباغ صبغة شرعية على الفكرة الصهيونية الأساسية التي تذهب إلى أن حق العودة هو حق جوهري لكل يهودي بصفته يهودياً أن يعود إلى وطنه والاستقرار فيه كمواطن. وهذا الحق –كما يرى بن جوريون- يسبق إنشاء الدولة، وهذا يعني في واقع الأمر أن قانون العودة "يعبر عن معنى الوجود الأولي للأيديولوجية الصهيونية. (عاموس كرميل، يديعوت أحرونوت 6 مارس 2007). وكافة الأحزاب الإسرائيلية تقريباً، بما في ذلك حزبا "العمل" و"الليكود"، وكذلك "الصقور" و"الحمائم"، يجمعون على أن إلغاء هذا القانون الصهيوني يعد بمثابة نهاية الدولة اليهودية. وكان كل من تسول له نفسه أن يقترح استبدال قانون العودة الذي أقر عام 1950 بتشريع جديد يكفل نفس حقوق الهجرة لليهود وغير اليهود على حد سواء يتم تصنيفه على أنه "معاد لإسرائيل" أو "معاد للسامية" لأنه يطرح برنامجاً يهدف إلى تدمير إسرائيل وإبادة الشعب اليهودى. (رغم أنه يوجد قانون منفصل أقر عام 1950 يسمح للحكومة على المستوى النظري بمنح الجنسية للمهاجرين غير اليهود الذين يستوفون متطلبات الإقامة، إلا إنه نادراً ما كان يتم تطبيقه). ولكن نظراً لأن قانون العودة الصهيوني، شأنه شأن كثير من القوانين والمقولات الصهيونية، يستند إلى أساطير لا أساس لها في الواقع الاجتماعي أو التاريخي، فقد طرح من الأسئلة أكثر من تلك التي أجاب عليها. فالقانون يقول من حق كل "يهودي" أن يعود! ولكن ما هو تعريف اليهودي؟ وقد أثار هذا السؤال جدلاً كبيراً في إسرائيل. ولم يكن هذا الجدل حول التمييز ضد غير اليهود بما في ذلك السكان الفلسطينيون، ولكنه كان حول من هو اليهودي. وقد تم تعديل القانون عام 1970 ونص على حق العودة ليس فقط لليهودي الخالص، وإنما أيضا لأزواج وأطفال غير يهوديين لمهاجرين يهود. رغم ذلك، فإن كثيراً من اليهود الأميركيين قد استمروا في نقد قانون العودة لأنه لا يعترف بمن اعتنقوا اليهودية على أيدي حاخامات يتبعون اليهودية الإصلاحية أو اليهودية المحافظة التي ينتمي إليهما معظم اليهود الأميركيين. وقد انتقد أيضاً بعض الإسرائيليين العلمانيين هذا القانون لأنه يمنح الحاخامات اليهود الأرثوذكس الحق المطلق في تحديد "من هو اليهودي" وأوصوا أن الدولة ينبغي أن تتخذ هذا القرار استناداً إلى رؤية أكثر علمانية للقومية اليهودية. ورغم ذلك فإن مجرد الفكرة بأن الإسرائيليين يناقشون في الإعلام وفي الكنيست فكرة وضع حدود على قانون العودة. لا يمكن مقارنته بشيء سوى تصور أن الأميركيين قد بدأوا في طرح فكرة إلغاء الدستور الأميركي وقانون الحقوق. فمثل هذا الأمر لا يمكن أن يخطر على بال أحد. ويمكن أن نعزو هذا الجدل الحاد غير المتوقع الذي يدور حول قانون العودة في التسعينيات إلى تغير الخريطة الإدراكية الإسرائيلية. فقد أدرك الإسرائيليون أن المنابع التي كانت تفيض بالمهاجرين اليهود الأصليين أخذت تجف. كما أن هناك أسبابا أخرى سنتناولها فيما بعد. وفي هذا الإطار أصبح كثير من الوزراء الإسرائيليين ورؤساء الصحف الإسرائيلية والأكاديميين الذين كانوا يرون أنهم، بصورة أو بأخرى، من "أنصار الصهيونية" ينادون بضرورة مراجعة مفهوم القومية الإسرائيلية وقانون العودة على أساس أن الباقين من يهود الدياسبورا (أي يهود العالم الخارجي) قد حددوا مصيرهم برفضهم الهجرة إلى إسرائيل. ولقد نادى "بوعاز إفرون"، المؤلف والكاتب بجريدة يديعوت أحرونوت اليومية، بضرورة أن تتوقف إسرائيل عن تعريف نفسها بأنها دولة الشعب اليهودي وأن تلتزم فقط برعاية مواطني الدولة. ومن ثم فعلى إسرائيل أن ترحب بأي إنسان، سواء أكان يهودياً أم غير يهودي، يريد الهجرة إلى إسرائيل إذا ما استوفى شروط الإقامة التي يمكن أن ينص عليها أي تشريع جديد. أما البروفيسور "أسا كاشير" بجامعة تل أبيب فقد شبه قانون العودة بمحاولة تأكيد الوجود والبقاء تنطوي على تمييز مضاد في صالح اليهود على أساس الفكرة القائلة بأن اليهود قد عانوا من التمييز في بلدان كثيرة جعلتهم في أمس الحاجة إلى دولة تحميهم. وبما أن الدولة قد أقيمت بالفعل فيستطيع أي يهودي يرغب في الهجرة إلى إسرائيل أن يفعل ذلك، فقد حان الوقت أن نعلن بكل صراحة أن المرحلة التي كنا نستخدم فيها التمييز المضاد قد انتهت وعلينا أن نتبنى سياسة طبيعية للهجرة. وهذه هي تقريباً نفس الرؤية التي نادى بها البرفيسور "يهويشاوا بورات"، الأستاذ بالجامعة العبرية حيث يرى أن سياسات الهجرة الإسرائيلية، تماماً مثل سياسات الهجرة في كل من كندا وأستراليا، ينبغي ألا تخضع للاعتبارات الدينية أو العرقية، وإنما تخضع فقط للاعتبارات الاقتصادية، أي الإمكانات والإسهامات التي يمكن أن يوفرها المهاجرون من أجل رفاهية المجتمع. ولقد دفعت هذه الرؤية الكاتب "هانوش مارماري" بجريدة "هآرتس" إلى دعوة الحكومة الإسرائيلية إلى تحديد وقت محدد في المستقبل لإلغاء قانون العودة. Leon T. Hadar : "Israel's Unthinkable Debate: Abolishing the Law of Return (The Washington Report on Middle East Affairs Jan\Feb 1995) أما المفكرون الذين ينتمون إلى تيار ما بعد الصهيونية فيرون أن قانون العودة الصادر عام 1950 الذي يمنح كل يهودي حق الهجرة إلى إسرائيل والحصول التلقائي على الجنسية الإسرائيلية أبلغ دليل على حقيقة كون إسرائيل دولة ذات نظام حكم عنصري وظالم. ولقد تصارعت وتيرة انتقاد ذلك القانون في السنوات الأخيرة، وقدم مفكرون بارزون مقترحات لتنقيحه. ورأى أحد الكتاب الإسرائيليين عام 1995 أنه عندما طرح رؤيته عن ضرورة إلغاء قانون العودة لم يثر الاقتراح أية تعليقات وأن هذا دليل على أن الرأي العام لا يكترث ببقاء قانون العودة أو بإلغائه. ولعبت صحيفة "هآرتس" دوراً مهما في هذا الصدد -بوصفها منبرا للمثقفين- فقد طالب رئيس تحريرها "جيرشوم شوكن" منذ عام 1985 بالتزاوج بين العرب واليهود كوسيلة لإنشاء شعب إسرائيلي جديد مختلف عن الشعب اليهودي! وصارت تلك الصحيفة في عهده منبرا لأفكار ما بعد الصهيونية، وسار خليفته حانوش مارماري على دربه، إلى حد قوله في 11 من نوفمبر عام 1994 أن معظم يهود الشتات (أي العالم) لم يعودوا عرضة لخطر الاضطهاد، وأن قانون العودة لم يعد له وظيفة عدا السماح بإغراق إسرائيل بالمهاجرين المرضى والطاعنين في السن على نحو يحولها بسرعة إلى "وطن لعجائز الشعب اليهودي"، وطالب بإلغاء هذا القانون. وفي عام 2003، شن "أورا تامير" وزير الضمان الاجتماعي الذي تنخرط وزارته بشكل مباشر في شؤون استيعاب المهاجرين هجوما علنيا على نوعية المهاجرين اليهود القادمين إلى إسرائيل من روسيا قائلاً: "إن ثلث هؤلاء المهاجرين طاعن في السن وثلثهم يعاني من إعاقات خطيرة وقرابة ثلتهم أمهات بلا أزواج". والله أعلم.